في ظلال آية - (وفي الأرض آيات للموقنين)
يقولُ ربُّنا سبحانه وتعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ [الذاريات: 20].
دودةُ القزِّ يُسمّيها العلماءُ: مَلِكَةَ الأنسجةِ بلا منازعٍ، إنّ هذه الدودةَ إذا لامسَ لعابَها الهواءُ تجمَّدَ، فصارَ خيطاً حريريّاً، هذا اللّعاب مطليّ بمادّةٍ بروتينيّةٍ، يُعطيهِ لمعاناً لؤلؤيّاً، ودودةُ القزِّ تستطيعُ أن تنسجَ ستّةَ بوصاتٍ في الدقيقةِ الواحدةِ، وطولُ خيطها ثلاثمئة مترٍ مستمرّ، وكلّ ثلاثمئة وستّين شرنقةً تساوي قميصاً حريريّاً واحداً، فكم وزنُ هذا القميص؟.
لم يستطيع لإنسانُ حتى الآن أن يقلِّدَ خيطَ الدودةِ، وأن يصنعَ شبيهه، لماذا؟ لأنّ من ميزاتِ تصنيعِ خيط الدودةِ أنها ذاتُ وزنِ خفيفٍ جدّاً، ومتانتهُ أعلى من متانةِ الفولاذ، وأن خمسةً وعشرين ألف شرنقة تساوي رطلَ حرير، وأنّ عشرةَ آلافِ شرنقةٍ تساوي كيلو من الحرير، فلو أمكنَ أنْ يُسحَبَ الفولاذُ بقطرِ خيطِ الحريرِ لكان خيطُ الحرير أمتنَ من الفولاذِ، ومع ذلك فهو جميلٌ، وبرّاقٌ، ومتينٌ، وخفيفٌ، وهذا من ُنع اللهِ عز وجل، ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88].
هناك فراشٌ يصنعُ الحريرَ الذَهبيَّ، يصنع حريراً، يصنع حريراً فضيّاً، لؤلؤيّاً تماماً، والحريرُ الذهبيّ بلونٍ طبيعيٍّ، لا يتأثّرُ بالشمسِ، ولا يحتاجُ إلى تثبيتٍ، لونٌ ثابتٌ كالذّهبِ، ولونٌ ثابتٌ كاللّؤلؤِ.
هذه الآياتُ التي بثّها اللهُ في الأرضِ من أجلِ أنْ نعرفَ عظمتَه، وعلمَهُ، ورحمتَه، وخبرتَه، وقدرتَه، وغناه، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ [فاطر: 28].
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ190/3الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 190- 191].
فعلى المرءِ أنْ يتفكّرَ قائماً كان أم قاعداً، في بيتِه أم مع أصحابِه، ليتفكر في خلقِه، وفي نفسِه، وفي ولدِه، وحاجاتِه، في لباسِه، في خيطِ الصوفِ، وخيطِ الحريرِ الذي لم يستطيعْ تقليدَه.
* * *
* أهم المصادر والمراجع:
- آيات الله في الآفاق: د. محمد راتب النابلسي.